نقلا عن مجلة آفاق الثقافية
أطلس فلسطين 1948
لواضعه سلمان أبو سته
أطلس فلسطين 1948
لواضعه سلمان أبو سته
أطلس ووثيقة تاريخية:
لا يشكل هذا الأطلس عملاً وثائقياً من الطراز الرفيع والنادر فحسب، فإن ما
يحويه بين دفتيه يمكن أن تحويه مكتبات متخصصة في القضية الفلسطينية، بل هو
أيضاً عمل وطني رائع، ومرافعة حقوقية وقانونية مدعمة بالحجج التاريخية
والأدلة الموثقة على فلسطينية فلسطين وهشاشة الأساس الأخلاقي أو القانوني
للمشروع الصهيوني.
الثلث الأول من الكتاب يقدم خلفية تاريخية
للصراع ولتصاعد واستقواء المشروع الصهيوني، ثم رصداً وتسجيلاً للأرض
الفلسطينية قبيل قيام دولة إسرائيل، يليه متابعة تفصيلية للنكبة وآثارها
واللجوء الفلسطيني وما آل إليه. ليس هنا تكرار ممل لما صار معروفاً، أو
قراءة عاطفية رومانسية متحسرة، بل معالجة معمقة تستهدف القارئ الأجنبي
وغير العربي لكنها صارمة في لغتها الحقوقية والإحصائية.
يبدأ (أبو ستة) بتحديد حدود فلسطين مع مصر كما أقرت منذ سنة 1841 بين السلطنة
العثمانية ومحمد علي باشا إثر انسحاب قواته من بلاد الشام. ثم تحديد حدود
فلسطين مع لبنان وسوريا في اتفاقية 1926 بين السلطنة والانتداب الفرنسي،
ولاحقاً مع البريطاني حول الحدود مع شرق الأردن. في كل من هذه الاتفاقيات
نقرأ تفاصيل التفاصيل مرفقة بصور مسحية قديمة حول كل شريط من الشرائط
الحدودية يبين القرى والمناطق التي مرت منها الحدود.
بعد انحسار الحكم التركي عن فلسطين في أعقاب الحرب العالمية الثانية وقيام الانتداب
البريطاني، بدأت أمواج الهجرة اليهودية التي يرصدها (أبو ستة) في أطلسه
بكل دقة بحسب السنوات والشهور، ونرى كيف تصاعد المنحى المدمر لتلك الهجرة.
فما بين سنة 1920 و 1946 دخل فلسطين أكثر من 376000 مهاجر يهودي.
وبالطبع كان لا بد من الصراع الحتمي مع أهل الأرض الأصليين، وهو الصراع الذي غضت
بريطانيا العظمى الطرف عنه ولم تفعل شيئاً سوى إحالة الموضوع للأمم
المتحدة التي بادرت سنة 1947 بإصدار قرار التقسيم. ينص القرار على منح
اليهود ما نسبته 5،55% من أرض فلسطين لإقامة دولة يهودية عليها مقابل
7،43% للفلسطينيين؛ مع إبقاء القدس تحت السيادة الدولية.
أعداد الفلسطينيين عشية قرار التقسيم وتوزيعاتهم الجغرافية موضحة في الأطلس بشكل
مدهش؛ ففي كل مدينة وقضاء فلسطيني وكل قرية مهما صغرت نجد جداول توضح نسبة
الملكية بين العرب واليهود.
(أبو ستة) يوضح بالأرقام والخرائط
التفصيلية أن نسبة الأرض الممنوحة لليهود بحسب قرار التقســـيم كانت خمسة
أضعاف ما كانوا يمتلكونه على أرض الواقــع. وأن عدد اليـهـود آنذاك كان لا
يتجاوز نصف مليون. وفي المقابل فإن الأرض الممنوحة للعرب كانت أقل مما
كانوا يمتلكونه على الأرض، وكان عددهم يتجاوز 36،1 مليون نسمة.
وأحد الأشياء المهمة واللافتة المرتبطة بقرار التقسيم هو أن عدد السكان
الفلسطينيين القاطنين في الأرض التي منحت لإقامة الدولة اليهودية عليها
يكاد يبلغ نصف مليون، بما يعني أمرين:
الأول: هو مصادقة غير مباشرة
على الأطروحة الفلسطينية والعربية بأن الوجود اليهودي في فلسطين طارئ
لدرجة إخفاق القوى التي صاغت قرار التقسيم في العثور على مساحات أراض
متصلة كي تمنح للدولة اليهودية يكون فيها اليهود أغلبية واضحة ومن دون
وجود عربي ملموس.
والأمر الثاني: هو شبه استحالة تطبيق قرار
التقسيم من ناحية عملية مع وجود هذا العدد الكبير من الفلسطينيين داخل
نطاق الأراضي التي قُرر أن تكون للدولة اليهودية.
ملكية العرب وملكية اليهود من أرض فلسطين:
"إحصاءات القرى ظلت سرية سنوات عدة؛ لأنها كانت تقدم الدليل تلو الدليل على فلسطينية الأرض وندرة التملك اليهودي فيها.
في القسم الخاص بـ (أرض فلسطين) في الثلث الأول من الأطلس نجد مسحاً مدهشاً
لأراضي المدن والقرى الفلسطينية دونماً بدونم، وعلى طول وعرض أقضية
البلاد. يعتمد (أبو ستة) على مجموعة هائلة من الوثائق والإحصاءات من عهد
الانتداب البريطاني، وخاصة جداول (إحصاءات القرى) Village Statistics التي
كان أعدها البريطانيون لأول مرة سنة 1936 لتقديهما لـ (لجنة بيل الملكية)
التي ابتُعثت لتدرس إمكانية وجود حل للصراع بين العرب واليهود في أعقاب
مغادرة البريطانيين.
«إحصاءات القرى» تلك ظلت سرية سنوات عدة؛ لأنها كانت تقدم الدليل تلو الدليل على فلسطينية الأرض وندرة التملك اليهودي في أرض فلسطين.
لكن في عام 1943 رُفعت السرية عن تلك الإحصاءات وجعلت في متناول الجميع؛ كما
تم تحديثها سنة بسنة. ويورد (أبو ستة) تلك الإحصاءات وهي جداول طويلة
وثرية بالمعلومات التفصيلية عن كل قرية ومدينة من القرى والمدن
الفلسطينية، وفيها مسح للأراضي من ناحية الملكية وإذا ما كانت ملكية للعرب
أم لليهود أم ملكية عامة؟
فإزاء كل قرية من القرى نقرأ مساحة
الأراضي التابعة لها، ثم في عمود آخر نقرأ نسبة الأراضي المملوكة من قِبَل
العرب، والنسبة المملوكة من قِبَل اليهود. ويظهر من الجدول تدني نسبة
الملكية اليهودية إلى درجة لا يمكن مقارنتها بالتملك والوجود الفلسطيني
المنتشر على طول وعرض القرى والمدن الفلسطينية.
والمجموع التراكمي للملكية العربية هو 23 مليون دونم؛ بينما لم يزد المجموع
التراكمي للملكية اليهودية عن 5،1 مليون دونم، كما أن هناك 5،1 مليون دونم
صنفت على أنها ملكية عامة. ويرى (أبو ستة) أن هذه الملكية العامة كانت في
الواقع ملكية عربية لكنها اعتُبرت كذلك؛ لأن تصنيف الأراضي كان يعتمد على
نظام الجباية الضرائبية، وكان جزء كبير من الأراضي العربية خارج ذلك
النظام لسبب أو لآخر.
أطلس النكبة:
يتابع (أبو ستة) في أطلسه مراحل التوسع والاعتداءات الصهيونية على القرى الفلسطينية التي
امتدت لسنوات قبل قيام حرب 1948، وتوضح الخرائط التفصيلية تلك الامتدادات
واستيلاءها التدريجي على الأرض.
في القسم الخاص بـ ـ(النكبة) يطور
(أبو ستة) ما كان أصدره من قبل بشأن آثار النكبة على فلسطين والفلسطينيين
وخاصة لجهة القرى المدمرة، وعدد اللاجئين الفلسطينيين، والجهات التي لجؤوا
إليها؛ إضافة إلى بروز قضية عودتهم وصدور القرارات الأممية التي تنص على ذلك.
وفي هذا القسم يتابع (أبو ستة) مراحل التوسع والاعتداءات
الصهيونية على القرى الفلسطينية التي امتدت لسنوات قبل قيام حرب 1948،
ونلحظ في الخرائط التفصيلية تلك الامتدادات واستيلاءها التدريجي على
الأرض. ووصولاً إلى الحرب وما تلاها تتحول تلك الخرائط إلى سجلات تدوِّن
اتجاهات التهجير التي أُجبر الفلسطينيون على التحرك وفقها بُعَيْد الحرب:
شمالاً إلى لبنان وسوريا، وشرقاً إلى الضفة الغربية والأردن، وجنوباً إلى مصر.
وتبدو أهمية هذه الخرائط في أنها تصف بدقة حركة اللجوء
الفلسطيني وأعداده وإلى أين اتجه، وما هي المخيمات التي تطورت وأقيمت بناء
عليه؟ يحتوي هذا القسم أيضاً على ثلاثة جداول مطولة تضيف معلومات جديدة
إلى ما هو معروف في هذا السياق تستحق التوقف عندها.
الجدولان الأولان هما: (عمليات التوسع الإسرائيلي) و (جرائم الحرب، الانتهاكات،
التدمير، السرقة). في هذين الجدولين وبالاعتماد على مصادر معلومات
إسرائيلية وبريطانية وأممية وفلسطينية يسجل (أبو ستة) في الجدول الأول 38
عملية عسكرية إستراتيجية توسعية؛ مضمناً المكان، والزمان، والكتائب
العسكرية التي شاركت في كل عملية، والجهة العربية التي دافعت ووقفت في وجه تلك العملية.
أما الجدول الثاني: فيتضمن 205 جرائم حرب شملت
المراحل قبل وخلال وبعد حرب 1948. وكما هو في الجدول الأول يتضمن هذا
الجدول الأمكنة والتواريخ التي حصلت فيها تلك الجرائم، وعدد الضحايا، وسوى
ذلك من تفاصيل مدهشة.
أما الجدول الثالث: فعنوانه (سجل النكبة) وفيه نقرأ قائمة بأسماء 530 مدينة وقرية ومحلة فلسطينية تعرضت للتدمير أو التهجير.
الخرائط التي تضمنها الأطلس هي كشاف دقيق لكل فلسطين عشية 1948؛ حيث تظهر المدن،
والقرى، والهضاب، والأنهار، والجبال، والسواحل، والخرب الفلسطينية بتفصيل مذهل.
وإلى وقت قريب كانت هذه القائمة لا تتجاوز بحسب المؤرخين 418
قرية وهو الرقم الذي رصده المؤرخ الفلسطيني (وليد الخالدي) وكان قد وافق
على قائمة سابقة كان أعدها المؤرخ الإسرائيلي (بني موريس) وضمت (369)
قرية؛ لكنه أضاف إليها مجموعة أخرى.
أما
الآن فإن القائمة الأكثر شمولية ودقة كما يبدو هي (قائمة أبو ستة). فإضافة
إلى ما تحتويه من قرى جديدة؛ فإنها تتضمن تاريخ التهجير، وعلى يد أي من
العصابات الصهيونية تم،
وفي ظل أي عملية عسكرية، ومستوى التدمير الذي حل بالمكان؛ إضافة إلى أعداد المهجَّرين.
ابحثْ عن قريتك في الأطلس!
الجزء الثاني من الأطلس هو الخرائط نفسها؛ حيث تمتد لتشمل أكثر من ثلثي حجم الأطلس. وهذه
الخرائط هي كشاف دقيق لكل فلسطين عشية 1948؛ حيث تظهر المدن، والقرى،
والهضاب، والأنهر، والجبال، والسواحل، والخرب الفلسطينية بتفصيل مذهل.
فما على القارئ سوى الاستعانة بفهرست مطول يحتوي على آلاف المدخلات المرتبة
بشكل هجائي، ثم يختار اسم القرية أو حتى الأثر أو الخربة، ثم يقرأ رقم
الصفحة التي توجد فيها تلك القرية، ويعود إليها ليرى عمق التفصيل ودقته
المدهشة. ولعل التحدي الكبير الذي يواجهه مثل هذا العمل يكمن في أن الدقة
الشديدة سوف تكون محل اختبار كل قارئ فلسطيني؛ حيث سيعمد فوراً إلى البحث
عن قريته وأسماء المناطق فيها والأراضي التابعة لها، وفيما إن كانت دقيقة أم لا.
إنه اختبار نجح فيه الأطلس بامتياز عندما يجد قارئ هذا
الأطلس في الأراضي التابعة لقريته الصغيرة أسماء مناطق مهجورة ومنسية كان
يسمعها من أجداده فقط ولم يدُر بخلده أنها سوف لن تُنسى أبداً مع وجود
أطلس فلسطين،(أطلس سلمان أبو ستة).
- عدد الصفحات: 428.
- الناشر: جمعية أرض فلسطين - لندن.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق