كانت شمس الضحى تزحف في طريقها لتتوسط السماء، والرجل الملثم المستلقي غير بعيد
عن موقد النار، قد بدأ يتململ من وهج أشعتها الحامية. نحّى الرجل الأشعث
لثامه جانباً، وتلفت حوله فلم تقع عيناه على رجل من الربع الذين
يستضيفونه. حصانه الوحيد كان لا يزال في مكانه، وإنما مقيداً بسلسلة هذه
المرة. واستشف في نفسه أن خطراً ما حل بالمكان في تلك الهنيهات التي رقدت
فيها عيناه من شدة النعاس، ثم حانت منه التفاتة ليجد امرأة من القوم تخرج
من بيتها فاستطلعها عن الأمر فقالت إن قومها خرجوا يطلبون إبلاً لهم ساقها
اللصوص فجرا ولم يرجعوا حتى الآن. قال لها: وما بال حصاني مربوطاً، ناشدتك
الله أن تحلي وثاقه يا أمة الله. قالت: لقد نهوني عن ذلك ، وأخاف أن
يلوموني إن أنا فعلت. قال: تالله لأردينه بهذه الطبنجة في مكانه إن لم
عن موقد النار، قد بدأ يتململ من وهج أشعتها الحامية. نحّى الرجل الأشعث
لثامه جانباً، وتلفت حوله فلم تقع عيناه على رجل من الربع الذين
يستضيفونه. حصانه الوحيد كان لا يزال في مكانه، وإنما مقيداً بسلسلة هذه
المرة. واستشف في نفسه أن خطراً ما حل بالمكان في تلك الهنيهات التي رقدت
فيها عيناه من شدة النعاس، ثم حانت منه التفاتة ليجد امرأة من القوم تخرج
من بيتها فاستطلعها عن الأمر فقالت إن قومها خرجوا يطلبون إبلاً لهم ساقها
اللصوص فجرا ولم يرجعوا حتى الآن. قال لها: وما بال حصاني مربوطاً، ناشدتك
الله أن تحلي وثاقه يا أمة الله. قالت: لقد نهوني عن ذلك ، وأخاف أن
يلوموني إن أنا فعلت. قال: تالله لأردينه بهذه الطبنجة في مكانه إن لم
تأتيني بمفتاح القفل. وهب على حصانه كالجن، وانطلق يسابق الريح مخلفا
وراءه سحابة من الغبار لا تشق. ولحق بالقوم وهم يسعون في أثر اللصوص
واللصوص يتقدمونهم ويمنعونهم بمالهم من سلاح أن تصل أيديهم إلى الإبل
يستردونها، حين شق الفارس الملثم صف قومه ومرق كالسهم من بينهم ليتوسط جمع
اللصوص ويعمل الطبنجة بإطلاق النار عليهم من بينهم فيتفرقون بددا أو
يسقطون حواليه صرعى، إلى أن تركوا الإبل في حال سبيلها وتخلوا عنها وذهبوا
يطوون الأرض فرارا نجاة بأنفسهم وحدها، وهو أي الفارس الملثم، يمعن في
مطاردتهم ليهيئ السبيل للقوم في جمع الإبل تهميدا للعودة بها.
نظرت
المرأة إلى الأفق وكانت الشمس قد توسطت كبد السماء، وأخذت ترسل أشعتها
اللاهبة على الوجوه كالسياط، وعلى الأقدام الحافية فوق الرمضاء، وكانت
تدنو سحابة كبيرة تضم الإبل المستردة والخيالة يحفونها من حواليها بالسيوف
المشهرة والرماح المنصوبة. وأنعمت المرأة النظر تستطلع الفارس الملثم من
بينهم فلم تتبين له أثرا. قالوا لقد رأينا فارسا يمرق من بيننا كالجن
لا يلوي على شيء، ثم لما عاد لنا الطرش وكنا مشغولين بجمعه، ألهانا الأمر
عن تبين كنه الفارس، والتفتنا فلم نره، وآخر عهدنا به أنه ظل في أثر
اللصوص يلاحقهم وهم يفرون منه فرارهم من الموت الذي لا شك أنه مدركهم لو
أنهم وقفوا له. قالت: ما رجلكم ذاك بقليل، وأرى أن تتبعوه وتعرفوا قصته
التي أخفاها عنكم طيلة مقامه بينكم، ونسبه، وتؤدوا له حقه من الإكرام
والعرفان
بالجميل. وجاء من تجاه الغرب رجل يسعى، قال القوم هل مر بك فارس صفته كذا
وكذا، قال مر بي دهشان أبو ستة يطلب درب بير السبع في العودة لدياره.
ما إن حل دهشان بالديار وكانت المشكلة التي أخرجته من دياره قد حلت ذيولها
حتى جاءت البعران وهدايا غيرها تتبعه من القوم الذين كان لاجئا بينهم ،
ولم تكن العادة أو العرف يبيح لهم أن يسألوا الضيف عن خبره واسمه، ولذلك
جهلوا أمره ومكانته، ولكن حسن فعاله بان عن طيب أصله.
كان ذلك في الأشهر الأولى التي أعقبت حرب 1967 ، وكان ثلاثة من أحفاد دهشان قد رمتهم
الأحداث فاستقروا بحي الطفايلة المنتصب على بعد درجات فوق المدرج الروماني
بعمان . وكان من بين جيرانهم الأردنيين عجوز عرفت إلى من ينتمي هؤلاء
الشبان الثلاثة، فعكفت ترحب بهم وتعيد على مسامعهم القصة التي روتها عن
جدتها، ولا يزالون يروونها حفيدا عن جده حتى الآن.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق