قائد كتائب أحمد أبو الريش ومؤسسها
بكته النسوة في البيوت ... و خرجت خانيونس عن بكرة أبيها
قتل الصهاينة صديقه بغتة فقرر الانتقام و ظهرت كتائب أبو الريش
عمرو يركض في الطريقْ يحتلُّ زاويةً، و يومئُ بانكسار الريحِ ،يطلقُ صوتَه نحو
الغزاةِ ،يشدُّ قامتَهُ ويُطلقُ ساعديهْ ويعيدُ تثوير الكتابة أحرفاً من
بندقيته الصغيرة في يديهْ يصعد البلور من شفتيهِ ،لم تلد الرصاصة في يديه
سوى خنادقَ ، لا سماء توقظ القتلى ، ولا ظلٌّ يُؤَبِّنُ عاشقَيْن على بريق
اللوزِ ،هل فَقَدَت معالمنا الوضوحَ ، هل انكسَرْ .
فارس يغافل يقظته الدائمة
كم كنت وفياً، يا عمرو، في حياتك، وحارساً لأمنيات الراحلين، من رفاقك، الذين
شبّوا معك، على طوق النجاة والحرية، ونشأوا على العشق الصوفي، لفلسطين على
التخوم، وفي الأحزمة الأكثر فقراً وخطراً.
من حول المخيمات المعذبة، اخترت ميدانك، فارساً يُغافل يقظته الدائمة، ليغفو،
ثم يختطف نفسه، من أي نوم، ليصحو على أي حدث أو واجب. كبيراً كنت ونبيلاً،
عندما أذبت كل الأوقات والليالي، من حياتك، وحياة من معك، لكي تظل لدماء
الشهيد، لعَناتها المديدة، على الغُزاة والقتلة المحتلين، ولكي تكون
للوصية، حروفها النابضة، مع دقات القلوب، ولكي يظل أحمد أبو الريش، في هذا
السياق، حاضراً بقوة!
لم يكن يتصور الشهيد عمرو أبو ستة الذي نجا من عملية الاغتيال التي استهدفته
والشهيد أحمد أبو الريش عام 1993 أن الكتائب التي سيؤسسها باسم رفيق دربه
"أبو الريش" ستظل تقارع الاحتلال وسيظل قائدا لها حتى عام 2004، حيث
استشهد الخميس (29 تموز/ يوليو) في عملية اغتيال استهدفته، وأحد مساعديه.
دموع الأطفال
يمكن، يا عمرو ! لتلك الابتسامة الذكية الصافية، بعينين فيهما كل ألوان الشهامة،
أن تغادر دنيانا، وأن تتبعها، في لحظات الشفق الأحمر، دموع الأطفال الذين
عرفوك، ودموع الكبار، من الأصحاب والأمهات والأخوات، الذين يستفتيهم
رحيلك: ترتفع عالية، أرقام التأييد للمقاومين، وللرجال الرجال، ولساكني
السقائف، وللصابرين في المهاجع المتواضعة، الذين امتلكوا أسرار التواصل مع
أكلاف الحرية، ولم تفارقهم، المناقب العالية، ولا نُكران الذات. فمثلما لم
تتبدل أحوال حياتك، يا عمرو، منذ الميلاد، وبعد العشق، وعند الرحيل، ولم
تصبح من أغنياء الحرب و الموازنات ؛ لم تتبدل روحك، ولم تنحنِ للرياح
العاتية. ظللت فقيراً إلى الله، عزيزاً عند الناس، مقنعاً للشباب، الذين
تعيّن عليهم، أن يواجهوا القوة الغاشمة. فليس أحب الي الشهداء، من قائد،
يعرفون أنه مشروع شهادة!
قائد و مؤسس
وكان الشهيد أبو ستة (32 عاما) قائد ومؤسس كتائب أبو الريش برفقة الشهيد أبو
الريش أحد القادة العسكريين لحركة "فتح" والذي كان وافق على مبادرة لإنهاء
مطاردتهم وتسليم أسلحتهم بعد توقيع اتفاق أوسلو في أيلول (سبتمبر) 1993؛
حينما باغتتهم وحدات صهيونية خاصة حيث اغتالت أبو الريش، فيما اشتبك أبو
ستة معهم وتمكن من الفرار مع شاب آخر، وكان ذلك في نهاية عام 1993.
قرّر الثأر لرفيقه
أدى استشهاد أبو الريش بعد أن عاد من لقائه مع القائد العسكري لمنطقة خان يونس
من أجل إنهاء مطاردتهم في ذلك الوقت إلى غضب كبير في صفوف أبناء فتح
العسكريين لا سيما في مدينة خان يونس مسقط رأس أبو الريش وأبو ستة الذي
قرر الثأر لرفيقه أبو الريش بتأسيس كتائب تحمل اسم رفيقه ( كتائب الشهيد
أحمد أبو الريش) تضم في عضويتها كل من اقتنع بأن اتفاق أوسلو لن يحقق
الأمن والأمان لهم، وعليهم مواصلة عملياتهم ضد قوات الاحتلال حتى لو كان
ذلك يتعارض مع منهج الحركة الأم "فتح" التي تربوا في أحضانها، والعمود
الفقري للسلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير التي وقعت اتفاق أوسلو.
مولد الفارس
ولد الشهيد أبو ستة عام 1972 في مخيم خان يونس وتربى في أزقة وشوارع المخيم
ودرس في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين، حيث انتمى إلى حركة "فتح" منذ
نعومة أظفاره، وتزامن ذلك مع اندلاع الانتفاضة الكبرى (1987 - 1994) حيث
شارك في فعالياتها بكل قوة وتمكن بعد عامين من اندلاعها من قتل أحد
المستوطنين اليهود طعنا بالسكاكين في داخل مستوطنة نفيه دكاليم القريبة من
مخيمه، وأصبح مطلوبا لقوات الاحتلال.
بداية المشوار العسكري
ومع هذه العملية النوعية لأبي ستة بدأ مشواره العسكري، حيث كانت قد تأسست في
ذلك الوقت خلايا "صقور فتح" الذراع العسكري لحركة "فتح"، والتي شارك معها
في تنفيذ العديد من العمليات الفدائية ضد قوات الاحتلال ، وكانت له صولات
وجولات مع تلك القوات التي كانت لا تزال تحتل القطاع وجنودها منتشرون في
شوارعه وأزقته.
غدروا صديقه فأسس كتائب باسمه
ومع توقيع اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية بدأت بعض الشخصيات
الفلسطينية تروج لإيجاد حل لقضية المطلوبين الفلسطينيين لاسيما أبناء حركة
"فتح"، وذلك من خلال تسليم أسلحتهم مقابل تأمين الحماية لهم وعدم تعرض
قوات الاحتلال لهم تحضيرا للمرحلة القادمة، وهي دخول السلطة الفلسطينية
وإعادة انتشار قوات الاحتلال حول قطاع غزة.
وكان الشهيد أبو ستة ورفيقه أبو الريش ممن اقتنعوا بهذا الطرح ووافقوا على هذا
الأمر، ولكن الدولة العبرية كانت ترفض مثل أبو ستة في الاتفاق لإنهاء
مطاردة الفدائيين من أبناء فتح كون (يديه ملطخة بدماء إسرائيليين) حسب
توصيف الدولة العبرية ، حيث ذهب أبو الريش وعدد من زملائه للقاء الحاكم
العسكري الصهيوني في خان يونس من أجل إنهاء هذا الأمر، وقد تم ذلك وتم
الاتفاق على عدم تعرض قوات الاحتلال لهم، وبعد عودة أبو الريش إلى منزله
في مخيم خان يونس، كونه أصبح غير مطارد بعد أن أمّن لكلام الحاكم العسكري،
دهمت المنزل قوة صهيونية خاصة، حيث كان أبو ستة وشاب ثالث معه وباغتتهم
حيث استشهد أبو الريش، فيما تمكن أبو ستة آنذاك من الاشتباك مع تلك القوات
والانسحاب من المكان.
سبب وقف التفاوض
وكانت الدولة العبرية دائما تضع أبو ستة سببا لوقف التفاوض مع السلطة نظرا لأنها
تطالب السلطة باعتقاله، حيث رفعت زوجة المستوطن اليهودي دعوة على الدولة
العبرية تطالبها بوقف المفاوضات مع الفلسطينيين ووقف تطبيق اتفاق أوسلو
حتى اعتقال قاتل زوجها.
هذه الضغوط على السلطة دفعتها عام 1996 إلى اعتقال أبو ستة، ولكن هذا الاعتقال
لم يطل، حيث قام عدد من زملائه باقتحام السجن الذي كان فيه، وهو مقر
السرايا بغزة، والإفراج عنه ليصبح بعد ذلك مطاردا للسلطة الفلسطينية
والدولة العبرية.
لقاء ربه
شارك أكثر من 50 ألف فلسطيني في تشييع جثمان أبو ستة ومساعده زكي أبو زرقة
الذين استشهدا في عملية اغتيال استهدفت سيارتهما في رفح، وذلك في موكب
جنائزي مهيب خرجت فيه خان يونس عن بكرة أبيها في وداع هذا المقاوم العنيد.
وقال "أبو أياد" أحد قادة كتائب أبو الريش ورفيق الشهيد أبو ستة في رثاء زميله
"رحل عمرو لكنه لا يزال حيا، ولكن ستبقى بصماته إلى الأبد في هذا القطاع
الصامد، هذا البطل بعد 15 عاما مطلوبا ومطاردا لقوات الاحتلال سيبقى علما
شامخا".
وأضاف أنه "قائد ومؤسس كتائب الشهيد أحمد أبو الريش، هذه الكتائب قابضة على
الزناد في زمن السلم والحرب حتى التحرير، وهذا القائد أبى أن يساوم أو
يبيع وظل مقاوما حتى نال الشهادة كما كان يتمناها".
وتوعدت كتائب أبو الريش بأن يكون ردها على اغتيال قائدها مؤسس أبو ستة مزلزلا وموجعا للدولة العبرية.
وقال أحد قادتها أبو هارون "رحل القائد المؤسس عمرو أبو ستة، لقد أسس الكتائب
بعد اغتيال القائد أحمد أبو الريش بعد أن أوجد حالة من المقاومة الشريفة
للمقاومة".
وأضاف "قسما سنرد ردا موجعا، أبو ستة قد خطط لعمليات نوعية، وأوجد أفكار جديدة
وستكون قوية اليوم استشهد القائد وستواصل المقاومة، وسنفاجئ العدو بأمور
لم يتوقعا وسنرد رد موجعا".
ووصف رئيس الوزراء الصهيوني الارهابي آرائيل شارون أبو ستة بالقول "إننا نسعى وراءه منذ سنوات بوصفه مرتكب أشد عمليات القتل وحشية" .
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق